وزن الأشخاص الحقيقي
تختلف موازين الأشخاص وطرق معاملاتهم في المجتمعات بحسب الموازين البشرية في تلك المجتمعات، لكن متى استغنى الناس عن تلك الموازين واستعملوا موازين الله " سبحانه وتعالى " ساد العدل، وارتاحت النفوس.
الميزان
الرباني في الحكم على الأشخاص هو الحكم عليها بمدى تقواهم لله تبارك وتعالى في
سرهم وعلانيتهم، قال تعالى :" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" ( سورة الحجرات 13)، ومنها قول الرسول "صلى الله عليه
وسلم":" اسمَعوا وأطيعوا وإنِ استُعمِلَ عليْكم عبدٌ حبشيٌّ كأنَّ رأسَهُ زبيبةٌ." (رواه الإمام البخاري).
ومن
الموازين الربانية قوله تعالى :" وَمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِی تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰۤ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَزَاۤءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُوا۟ وَهُمۡ فِی ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ". ( سورة سبأ 37).
وإن استقامة
الحياة تكون بقدر استعمال الموازين الربانية، فإن اختل استخدام هذه الموازين سيختل
المجتمع، ومن هنا نسمع الكثير من الناس يقولون عن شخصٍ ما:" ما أفضله وأكرمه
وأحسنه"، وفي الحقيقة لا يملك ذرة من إيمان.
وتجد الحكم
على الأشخاص يكون عند البعض بقدر ما عنده من مال وجاه وسلطان، أو حسب العرق والجنس،
أو اللون أو اللهجة أو القبيلة وغيرها من الأمور التي كانت في الجاهلية.
عندما جاء بعض أشراف وسادات قريش إلى رسول الله " صلى الله عليه وسلم" طلبوا منه "صلى الله عليه وسلم"، أن يفرد لهم مجلساً خاصاً بهم، لأنهم استحوا من الجلوس مع بعض البسطاء من الصحابة " رضي الله عنهم أجمعين"، فكان الميزان البشري عدم الجلوس مع الفقراء والبسطاء ولكن تنزلت الآية الكريمة معلنةً ميزانٍ رباني رداً عليهم وأمراً للحبيب الهادي " صلى الله عليه وسلم" : "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " ( سورة الكهف 28)
موازين
الجاهلية كما أسلفت الذكر ( حسب المال والجاه والسلطان ... إلخ)، قد ترفع من شأن
رجل كأبي جهل فكان ميزان الجاهلية يناديه أبا الحكم ولكن النبي " صلى الله
عليه وسلم" يناديه أبا جهل.
وميزان
الجاهلية كان يصنف بلال بن رباح " رضي الله عنه"، بأنه لا وزن له ولا
قيمة ولا شأن.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه: (أن أبا سفيان أتى سلمان وبلال وصهيب في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها (حقها منه لما فعله بهم)، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟! فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: يا أبا بكرٍ، لعلك أغْضَبْتَهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبتَ ربَّك، فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي).
سبحان
المُعز المُذل، أي رفعة وعظمة؟! نالها الصحابي الجليل بلال بن رباح " رضي
الله عنه"، لأن يرتفع من الميزان البشري الجاهلي " بأنه لا وزن له ولا
قيمة " إلى الميزان الرباني وهو أن يغضب الله تبارك وتعالى بنفسه لغضبه.
والميزان
الرباني جعل من قدم الصحابي الجليل عبدالله ابن مسعود ( رضي الله عنه)، أثقل من
جبل أحد.
الأمثلة
تطول وهناك الكثير والكثير منها خاصة في سيرته " صلى الله عليه وسلم"،
وسيرة صحبه الأطهار " رضي الله عنهم أجمعين"، ولكن نلخص ما نتحدث به هو
أن وزن الأشخاص الحقيقي يكون بالتقوى.
وعملية
تطبيق موازين الله تبارك وتعالى، ليست هينة ولا تطيقها إلا كبار النفوس، أن تقدم
ما يقدمه الله وتؤخر ما يؤخره الله.
بقلم/ مصطفى ستيتان